فصل: مسألة يشتري بيع البراءة ويعجل له العتق:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة حلف أن يبيع عبده إلى شهر فباعه بيعا فاسدا قبل الشهر:

وسألته: عن رجل حلف في عبد له بحريته أن يبيعه إلى شهر فباعه قبل شهر بيعا فاسدا فمضى الشهر ثم رد عليه أو مات، فهل يحنث؟ أو باعه فوجد به عيب، علمه أو لم يعلمه فرد عليه هل يحنث؟ قال ابن القاسم: أما العيب الذي رد عليه وقد فات الأجل فهو حانث، علم أو لم يعلم بالعيب، فهو بمنزلة من حلف على جارية بحريتها أن يبيعها فوجدها حاملا أنها تعتق، وأما البيع الفاسد فإنه إن فات الأجل وهو على حاله أو لم يتغير بنماء أو نقصان حتى يكون قد فات الرد فيه رأيته يرد ويعتق عليه، وإن كان قد فات قبل الأجل لم أر عليه شيئا ورأيته رقيقا، لأن الأجل لم يفت حتى ضمنه المشتري فلذلك لم يعتق عليه.
قال محمد بن رشد: أما الذي حلف أن يبيع عبده إلى شهر فباعه بيعا فاسدا قبل الشهر، فقوله: إنه إن مات قبل الأجل فقد بر وإن مضى الأجل وهو على حاله فقد حنث، سواء رد عليه أو فات بعد الأجل، لا أعرف نص خلاف إلا أن الخلاف يدخل فيه بالمعنى من مسألة الذي يبيع عبده بيعا فاسدا قبل يوم الفطر فيمضي يوم الفطر وهو بيد المشتري ثم يرده عليه بعد يوم الفطر أو لا يرده عليه لفواته عنده قبل يوم الفطر أو بعده، إذ قد قيل: إن فطرته على المشتري، وإن رد على البائع بعد يوم الفطر؛ لأنه لو تلف عنده لكانت مصيبته منه، وهو قول ابن القاسم، فيأتي على قياس قوله هذا أن يبر بالبيع الفاسد، وإن رد عليه بعد أن قبضه المشتري، وهو قول أشهب في سماع أصبغ من كتاب النذور: إن الحالف ليقضين رجلا حقه يبر بالقضاء الفاسد وإن نقض ورد، وقيل أيضا: إن فطرته على المشتري إن لم يرد على البائع وإن كان لم يفت عنده إلا بعد يوم الفطر؛ لأنه إذا لم يرد على البائع فكأنه لم يزل ملكا للمشتري من يوم قبضه، وهو قول ابن الماجشون، فعلى قياس قوله يبر البائع بالبيع الفاسد إذا فات بيد المشتري وإن لم يفت عنده إلا بعد الأجل.
وتفرقة ابن القاسم في هذه الرواية بين أن يفوت العبد عند المشتري قبل الأجل أو بعده هو أظهر الأقوال وأولاها بالصواب، لأن البر لا ينبغي أن يكون إلا بأكمل الوجوه، وعلى القول بأن البيع الفاسد لا ينتقل به الملك ويكون المصيبة فيه من البائع وإن تلف بيد المشتري وهو قول ابن القاسم في سماع أبي زيد من كتاب جامع البيوع في بعض الروايات لا يبر الحالف بالبيع الفاسد على حال، وهو قول رابع في المسألة.
وأما إذا حلف أن لا يبيعه فإنه يحنث بالبيع الفاسد على ما يأتي له في رسم المدبر والعتق من سماع أصبغ قولا واحدا، لأن الحنث يدخل بأقل الوجوه إلا على القول بأن البيع الفاسد لا ينتقل به الملك.
وأما قوله في الذي حلف أن يبيع عبده إلى أجل ثم رد عليه بعيب بعد الأجل: إنه حانث، فهو على قياس القول بأن الرد بالعيب نقض بيع بدليل استشهاده بمسألة أم الولد، وهو خلاف المشهور من قوله: لأن المشهور من قوله أنه ابتداء بيع، فعلى قوله المشهور لا يحنث إذا رد عليه بعيب بعد الأجل أو قبله؛ لأنه لو اشتراه قبل الأجل لم يعتق عليه عنده، وقع ذلك من قوله في المدنية من رواية عيسى عنه، وقال: إن من قال خلاف هذا فقد أخطأ، وللمغيرة في المدنية: أن من حلف بحرية عبده ليبيعنه إلى أجل فباعه قبل الأجل- أنه يحنث إن ألفاه الأجل عنده، ومن قول ابن القاسم في المدونة وغيرها أن من حلف بحرية عبده أن لا يفعل فعلا فباعه ثم اشتراه أو وهب له أن اليمين ترجع عليه ويحنث بحريته إن فعل ذلك الفعل، إلا أن يعود إليه بميراث.
ووجه ذلك: أنه يتهم على إسقاط اليمين عن نفسه ببيعه إياه ليرد عليه، فعلى قياس هذا يجب أن يحنث إذا رجع إليه قبل الأجل إلا أن يرجع إليه بميراث.
فيتحصل على هذا في المسألة ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه يحنث بمضي الأجل إن اشتراه قبل الأجل أو رد عليه، وهو قول المغيرة في المدنية، والذي يأتي على قول ابن القاسم في المدونة.
والثاني: أنه لا يحنث في الوجهين جميعا، وهو على قياس القول بأن الرد بالعيب ابتداء بيع، وعلى أنه لا يحنث بالشراء.
والثالث: الفرق بين أن يشتريه أو يرد عليه بالعيب، وهو على قياس القول بأن الرد بالعيب نقض بيع، وهذا كله إذا لم يعلم بالعيب، وأما إذا علم به فلا اختلاف في أنه لا يبر إذا رد عليه قبل الأجل أو بعده؛ لأنه يتهم على أنه إنما باعه وهو عالم بالعيب ليرد عليه، وبالله التوفيق.

.مسألة يحلف في جاريته بالحرية أن يتخذها أم ولد فيبيعها:

وسألته: عن الرجل يحلف في جاريته بالحرية أن يتخذها أم ولد فيبيعها، هل يحنث فيها حين باعها أو يرد ذلك البيع، وتكون عنده موقوفة بحالها؟ أو قال، وهي في ملكه: والله لا أتخذها أبدا، هل تعتق عليه ساعة حلف بذلك أو لا تعتق عليه أبدا حتى يموت؟
قال ابن القاسم: أرى أن ترد وتكون في ملكه حتى يبر أو يموت فتعتق في ثلثه، وكذلك قال مالك فيمن حلف في رقيقه بحريتهم على أمر أن يفعله ثم باعهم: إنه يرد بيعهم ويوقفوا في يديه حتى يبر أو يموت فيعتقوا في ثلثه.
قلت: فإن فلس سيدهم قبل أن يبر وقد حلف بحريتهم قبل الدين أو بعده يباعوا في الدين؟ قال ابن القاسم: يباعوا في الدين للغرماء كانت يمينه فيهم قبل الدين أو بعده، وليس هم بمنزلة المدبر؛ لأنه هو إن أراد أن يبر بر وسقطت عنه اليمين، وأن المدبر ليس له أمر يبر فيهم.
قال محمد بن رشد: قوله: أرى أن ترد وتكون في ملكه حتى يبر أو يموت فتعتق في ثلثه، هو مثل ما في المدونة من قوله وروايته عن مالك، خلاف قول ابن دينار فيها: إنه إذا رد البيع فيها أعتقت على البائع، قال: لأنه لا ينقض صفقة مسلم إلى رق، وإنما ينقض إلى عتق، وقد ذهب بعض الشيوخ إلى أن ما وقع من قول مالك في رسم العتق بعد هذا هو مثل قول ابن دينار في المدونة، وليس ذلك بصحيح على ما سنذكره إذا وصلنا إليه إن شاء الله.
وقوله: إنهم يباعون في الدين كانت يمينه فيهم قبل الدين أو بعده وأنهم ليسوا بمنزلة المدبرين صحيح للعلة التي ذكرها، وقد ذهب بعض الناس إلى أنه يعارض ذلك ما وقع في أول رسم المدبر والعتق من سماع أصبغ بعد هذا: أن هذه اليمين التي تكون فيها على حنث أقوى من المدبرة، لأن المدبرة توطأ وهذه لا توطأ وليس ذلك ببين، لأنه إنما أراد أنها أقوى منها في أن ولدها يدخلون معها، وليست بأقوى منها في ذلك، بل هي أضعف، إذ قد اختلف في دخول ولدها معها في اليمين حسبما مضى القول فيه في رسم بع ولا نقصان عليك، ولم يختلف في دخول ولد المدبرة معها في التدبير، ورأيت لابن دحون أنه قال في هذه المسألة: ولو اشتراهم بعد بيع السلطان عليه للغرماء لرجعت اليمين عليه؛ لأنهم بيعوا وهو على حنث.
فأما قوله: إن اليمين ترجع عليه فهو صحيح، وأما تعليله ذلك بقوله: لأنهم بيعوا وهو على حنث، فليس بصحيح، لأن اليمين ترجع عليه على مذهبه، وإن كان على بر، فهو نص قوله في المدونة، خلاف قول غيره فيها، وبالله التوفيق.

.مسألة يحلف أن لا يبيع سلعة فتغصب منه فيجدها قد نقصت:

وسألت ابن القاسم عن الرجل يحلف بحرية عبده أن لا يبيعه فيغتصبه منه إنسان فينقص عنده، فهل له أن يأخذ قيمته؟ قال: إن كان الذي نقصه أمر جاءه من الله وأخذ قيمته فقد حنث، لأنه كان مخيرا على الغاصب، إما أن يأخذه بعينه ولا شيء عليه في العيب، وبين أن يسلمه ويأخذ قيمته، فإذا أسلمه وأخذ قيمته كان بائعا له، ولو أصابه غيره فأخذ له أرشا أو لم يأخذ له فأسلمه كان حانثا إذا رضي بالقيمة من غاصبه، ولو أنه أخذه وأخذ ما أخذ الغاصب في جرحه أو اتبع الجارح بما جنى على عبده لم يكن عليه شيء، فقد قال ابن القاسم في رسم القطعان في الرجل يحلف أن لا يبيع سلعة فتغصب منه فيجدها قد نقصت، قال: إن كان نقصانا يسيرا فأخذ قيمتها حنث، وإن كان نقصانا فاحشا يكون الثلث فأكثر فأخذ له ثمنا فلا شيء عليه، وقال أيضا في كتاب المكاتب: إن كانت السلعة قائمة فهو حانث، وإن كانت قد فاتت فأخذ قيمتها أو سلعة مثلها فلا حنث عليه.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة في رسم القطعان من سماع عيسى من كتاب النذور، وقلنا فيها هنالك: إن الذي يتحصل من هذه الروايات ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه لا يحنث بأخذ القيمة منه إذا فاتت عنده فواتا يوجب له تضمين القيمة إياه، يسيرا كان النقصان أو كثيرا، بأي وجه كان، وهو الذي في كتاب المكاتب.
والثاني: أنه يحنث بأخذ القيمة منه فيها، وإن فاتت ووجب له تضمين القيمة إياه، يسيرا كان النقصان أو كثيرا، بأي وجه كان، وهو الذي في هذا الرسم.
والثالث: أنه يحنث بأخذ القيمة منه فيها، إن كان النقصان يسيرا، ولا يحنث إن كان النقصان كثيرا أكثر من الثلث.
ووجه القول الأول أن ذلك ليس ببيع لأن البيع إنما يكون برضا المتبايعين، والغاصب مجبور على أخذ القيمة منه.
ووجه القول الثاني: أن ذلك بيع من أجل أنه مخير بين أن يأخذ سلعته ويضمنه ما نقص يسيرا كان النقصان أو كثيرا وبين أن يسلمها إليه ويأخذ منه قيمتها، فأشبه من حلف أن لا يبيع سلعة قد باعها على أنه فيها بالخيار أنه يحنث إن أمضاها له وإن كان المبتاع مجبورا على أداء الثمن فيها للعقد المتقدم.
والقول الثالث: لا يخرج عن القولين فهو استحسان على غير حقيقة القياس.
وقد تؤول ما في كتاب المكاتب على أنه إنما أراد بما ذكره فيه من الفوات فوات عينها فترجع المسألة على هذا التأويل إلى قولين: أحدهما: أنه حانث بكل حال، والثاني: الفرق بين القليل والكثير، والصحيح أن تحمل الرواية على ظاهرها، وقد بينا وجه ذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة كل ولد يلحق بأبيه ويخرج حرا فولاؤه لأبيه:

وعن الأمة يكون بعضها حرا وبعضها رقيقا يطؤها الذي له فيها الرق، فتحمل فتعتق- هل على الذي كان أعتق بعضها من ولاء الولد شيء أم لا؟ قال: لا، الولد بينهما.
قال محمد بن رشد: روى ابن المواز عن ابن القاسم مثل رواية عيسى هذه، وقال من رأيه، والصواب أن يكون الولاء لأبيه، والنسب أملك به، وعلى الأب عتق، وبالحمل عتق الأم، وكل ولد يلحق بأبيه ويخرج حرا، فولاؤه لأبيه ولو أعتق المتمسك بالرق ثم تزوجها رجل، فولاء ولده لمواليه دون مواليها، والذي قاله محمد بن المواز هو الصحيح، لأن كل ولد يولد للحر ويلحق به نسبه فولاؤه لموالي أبيه، فإن كان مولى ولا يكون الولاء لموالي الأم إلا إذا كان النسب منقطعا من الأب مثل أن يكون ولد زنا أو منفيا بلعان أو كافرا حربيا، وبالله التوفيق.

.مسألة باع عبدا من رجل فأعتقه المشتري:

ومن كتاب العتق:
وسئل ابن القاسم عن رجل باع عبدا من رجل فأعتقه المشتري فجاءه البائع فتقاضاه الثمن فأنكر أن يكون اشتراه، وقال: إنما استأجرته منك فخذ عبدك وقد علم البائع بالعتق.
قال: إن كان له مال يوم أعتقه فيه وفاء ثمنه فلا أرى له أن يأخذه، وإن لم يكن له مال يوم أعتقه في ثمنه فضل عن دينه فأرى أن يأخذه ويبيع منه قدر دينه، ويعتق ما بقي منه إذا لم يكن علم بعتقه ولم يكن له مال يوم أعتقه.
قال محمد بن رشد: تحصيل القول في هذه المسألة أنه إن كان للمشتري وفاء بالثمن فلا يصح له أن يأخذه لأنه مقر أنه حر بعتق المشتري إياه بعلمه، وإن لم يكن له مال ولا كان في قيمته فضل عن ثمنه كان له أن يأخذه، لأن الثمن الذي له عليه يرد عتقه فيه.
وأما إن كان في قيمته فضل عن ثمنه مثل أن يكون باعه منه بمائة وقيمته خمسون ومائة، فلا يأخذه إلا أن يكون لم يعلم بعتقه إياه فيأخذه ويبيع منه ثلثيه بمائة ويعتق ثلثه، وإنما لم ير أن يأخذه إذا علم بعتقه وكان فيه فضل لوجوب عتقه عليه، لأنه إذا أعتق عليه الفضل بإقراره أنه أعتقه أعتق عليه باقيه، وإنما يجب أن يعتق عليه باقيه على القول بأن ما أعتق عليه منه بإقراره بأن المشتري أعتقه يكون ولاؤه له لا للمشتري.
فقول ابن القاسم في هذه المسألة خلاف ما مضى من قوله في رسم يوصي لمكاتبه من أن من شهد على ابنه بعتق عبد له فملك منه شقصا زائدا على ميراثه منه أنه يعتق عليه جميع ما ملكه منه، ولا يقوم عليه باقية، وقد مضى الكلام على ذلك هنالك، والذي يأتي في هذه المسألة على قياس قوله في رسم يوصي لمكاتبه أنه لا يقوم عليه باقية أن يكون له أن يأخذ العبد إذا كان في قيمته فضل عن ثمنه وإن كان عالما بعتق المشتري إياه فيباع منه بقدر الثمن ويعتق عليه باقية الباقي.
وقوله فيها: إنه إن كان له مال يوم أعتقه فيه وفاء ثمنه فلا أرى له أن يأخذه- يريد: ويعتق عليه بإقراره أن المشتري أعتقه، على ما يأتي من قوله في رسم المدبر والعتق من سماع أصبغ، هو على قياس أحد قولي ابن القاسم في المدونة في العبد بين الشريكين يشهد أحدهما على صاحبه أنه أعتق نصيبه منه وهو موسر أنه يعتق عليه نصيبه؛ لأنه مقر على نفسه بوجوب عتقه على شريكه بالتقويم، وكذلك هذا يعتق عليه العبد لإقراره على نفسه بوجوب عتقه على المشتري بالشراء، إذ قد أعتقه بعد أن اشتراه، فالمعنى في المسألتين سواء، يدخل الاختلاف في هذه... تلك، وبالله التوفيق.

.مسألة هلك وورثته ابنته وابنه فشهدوا أن أباهما أعتق هذا العبد واختلفا:

وسألته: عن رجل هلك فورثته ابنته وابنه فشهدوا أن أباهما أعتق هذا العبد واختلفا، فقال الابن: هذا، وقالت الابنة: هذا.
قال: لا شهادة لهما، فإن ملك أحدهما من شهد له أعتق عليه كله أو ما حمل ثلث الميت، قال: وإن اجتمعا على عبد واحد عتق في ثلث الميت أو ما حمل الثلث منه إذا لم يكن للميت وارث غيرهما.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه لا شهادة لهما، إذ لا يثبت العتق بشاهد واحد، ولا تجوز فيه شهادته، وقد مضى في رسم العرية ورسم يوصي لمكاتبه تحصيل القول فيما يلزم من شهد من الورثة بعتق على موروثه فلا معنى لإعادته، فإن اجتمعا جميعا على عبد واحد ولم يكن للميت وارث غيرهما جاز إقرارهما على أنفسهما، وعتق في ثلث الميت، كما قال: إن كان إنما شهدا أنه أعتقه في مرضه أو أوصى بعتقه، وهذا بين لا إشكال فيه، وبالله التوفيق.

.مسألة إخوة ثلاثة شهد اثنان منهم بعتق عبد وقال الثالث لا:

وسألته: عن إخوة ثلاثة، شهد اثنان منهم بعتق عبد، وقال الثالث: لا، بل هو هذا، ولا وارث له غيرهم.
قال: يعتق الذي شهد له الشهيدان إن حمله الثلث ولا يعتق الذي أقر له الواحد إلا أن يملكه كله أو بعضه فيعتق عليه منه ما حمل الثلث، فإن لم يملكه كله وملك منه بعضه عتق منه عليه ما ملك، ولم يقوّم عليه حظوظ شركائه، قال: وإن لم يصر له منه إلا مال أمر بأن لا يأكله وأن يجعله في رقبة يعتقها، فإن لم يكن فيه ما يعتق به رقبة استتم به قطاعة مكاتب أو أعتق هو وقوم عبدا، قال عيسى: وهذا إذا كان الذي شهد للواحد مكذبا لشاهدي الآخر، وأما إذا كان الذي شهد لهذا غير مكذب لشهادة الأولين للآخر فإنما يعتق عليه من الذي شهد له، إذا ملكه ما كان يحمل الثلث منه مع الآخر أو تحاصا فيه.
قال محمد بن رشد: قوله: شهد اثنان منهم بعتق عبد- معناه: أنه أوصى بذلك أو بتل عتقه في مرضه الذي مات منه، بدليل قوله: يعتق الذي شهد له الشهيد إن حمله الثلث.
وقوله: ولا يعتق الذي أقر له الواحد، يريد: ولا حظه الذي صار له بالميراث منه.
وقوله: إلا أن يملكه كله أو بعضه، يريد: إلا أن يملك بقيته فيستخلصه بذلك منه، أو يملك منه جزءا زائدا إلى ميراثه منه فيعتق عليه منه ما حمل الثلث.
وقوله: فيعتق عليه ما حمل الثلث، معناه: دون الآخر الذي أعتق من الثلث بالشهادة؛ لأنه مكذب لها، على ما قاله عيسى من أن هذا إذا كان الذي شهد للواحد مكذبا لشاهدي الآخر، فقول عيسى بن دينار في هذا مفسر لقول ابن القاسم في هذه الرواية- خلاف قوله في سماع أبي زيد بعد هذا من هذا الكتاب، وخلاف ما مضى من قوله أيضا في رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الوصايا، إذ قد نص في هذين الموضعين جميعا على أنه إنما يعتق عليه ما حمل الثلث منه مع صاحبه الذي عتق بالشهادة، والذي في هذه الرواية هو الصحيح في النظر، وأما قول عيسى بن دينار إذا كان الذي شهد لهذا غير مكذب لشهادة الأولين فإنما يعتق عليه من الذي شهد له إذا ملكه ما كان يحمل الثلث منه مع الآخر لو تحاصا فيه، فلا ينبغي أن يحمل على التفسير لقول ابن القاسم، لأن المنصوص لابن القاسم في رسم باع شاة من سماع عيسى من كتاب الوصايا أنه يسهم بينه وبين العبد الذي أعتق بالشهادة، فإن خرج السهم عليه عتق إن حمله الثلث أو ما حمل منه، وهو الصحيح في النظر، لأن هذا هو الذي كان يجب لهذا العبد لو ثبت ما أقر به الوارث من أنه أوصى بعتق العبدين جميعا، وبالله التوفيق.

.مسألة الطلاق والعتق بشهادة النساء:

وسألت ابن القاسم عن رجل حلف بالحرية أو بطلاق إن لم يكن بفلانة عيب بموضع كذا وكذا مما لا يراه إلا النساء وهي حرة أو أمة مملوكة، فقالت الحرة: لا أمكن أحدا ينظر إليها لا امرأة ولا غيرها، وقال الرقيق والزوجة: ليس ذلك بنا، أو أذنت الحرة في أن ينظر إليها امرأة، فنظرت، فقالت: ليس بها ما قال، هل يحنث بالعتق والطلاق بقولها؟ قال: لا يحنث، وهو يدين وليس نظر النساء بشيء.
قال الإمام القاضي: هذا كما قال، إذ لا يجب الطلاق والعتق بشهادة النساء، وبالله التوفيق.

.مسألة التدبير لا يلزم به التقويم:

قال: وسألته: عن عبد بين رجلين، قال له أحدهما: اخدمني عشر سنين وأنت حر، وقال له الآخر: أنت مدبر.
قال: أرى أن يترك على حاله في العتق والتدبير، فإن مات الذي دبر قبل عشر سنين وترك ما لا يخرج نصيبه من ثلثه عتق نصيبه وبقي النصف الآخر إلى الأجل الذي أعتق إليه، وإن مات ولا مال له أو كان له من المال ما لا يتم في ثلثه عتق نصفه، عتق منه ما عتق في ثلثه، وقوم ما بقي من الرق في النصف على الذي أعتق إلى عشر سنين فكان حرا إلى عشر سنين، وإن انقضت العشر سنون قبل موت الذي دبر، قوم على هذا الذي أعتق إلى عشر سنين نصف صاحب المدبر فيعتق عليه كله وانفسخ التدبير الذي دبر إلا إن شاء الذي دبر أن يعجل عتق نصيبه فيكون ذلك له.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، لأن التدبير لا يلزم به التقويم كالعتق، إذ قد يرده الدين، وإنما التقويم فيه أو المقاومة على اختلاف قول مالك حق للذي لم يدبر من أجل الفساد الذي أدخله عليه فيه بتدبير حظه منه، فإن شاء قومه عليه أو قاومه فيه على اختلاف قول مالك، وإن شاء تمسك بحظه منه، فسواء في هذه المسألة علم الأول منهما أو لم يعلم، بخلاف إذا أعتق كل واحد منهما حظه منه إلى موت صاحبه أو إلى موت رجل سماه، وقد مضى الكلام على ذلك في رسم أوصى.
فإن كان الذي أعتق نصيبه إلى عشر سنين هو الأول منهما لم يصح أن يقوم عليه نصيب شريكه المدبر، إذ قد يجب له العتق بالتدبير قبل العشر سنين لاسيما وقد قيل، وهو أحد قولي مالك: إنه لا يقوم على من أعتق حظه من عبد إلى أجل حظ شريكه حتى يحل الأجل، فإن مات الذي دبر حظه قبل العشر سنين فرده الدين أو لم يحمله الثلث قوم على ما قال ما رق منه على الذي أعتق إلى عشر سنين على القول بتعجيل التقويم على من أعتق حظه من عبد بينه وبين شريكه إلى أجل.
وإن كان الذي دبر نصيبه هو الأول منهما لم يكن لشريكه عليه حجة فيما كان يجب له عليه من التقويم أو المقاومة إذ قد أفات نصيبه بعتقه إلى أجل، فإن حل الأجل قبل أن يموت شريكه الذي دبر نصيبه قوم عليه حظ شريكه المدبر كما قال على قياس قوله في المدونة في المدبر بين الرجلين يبتل أحدهما نصيبه: إنه يقوم عليه نصيب شريكه المدبر، ولا يقوم عليه على القول بأنه لا يقوم على من أعتق حظه من عبد حظ شريكه الذي كان دبره قبل من أجل أن التدبير عقد قوي لازم يصح به الولاء للمدبر، وبالله التوفيق.

.مسألة يشتري بيع البراءة ويعجل له العتق:

وسئل عن رجل، قال: ابتاعوا غلاما فأعتقوه، أو قال: غلام بني فلان فأعتقوه، هل يوقف في الأيام الثلاثة أو يشتري بيع البراءة ويعجل له العتق.
قال: أرى أن يشتري بيع البراءة ويعجل له العتق ولا يخاطر به.
قال محمد بن رشد: أما إذا كان عبدا معينا فكما قال، لا ينبغي أن يشتري على العهدة فيخاطر به، إذ قد يموت في الأيام الثلاثة فتبطل الوصية له بالعتق.
وأما إذا كان غير معين فالصواب أن يشتري على العهدة، لأنه إن مات في الثلاثة الأيام أو أصابه فيها عيب كان من البائع، واشتري غيره للعتق في الوصية، وإن اشتري على البراءة وعجل له العتق قد يصيبه عيب في الثلاثة الأيام فلا يمكن رده، ويكون قد أعتق عنه عبدا معيبا، وهذا بين، فلا ينبغي أن يحمل كلامه في الرواية إلا على العبد المعين بقوله: اشتروا غلام بني فلان فأعتقوه، وبالله التوفيق.

.مسألة يخبر عن الرجل أنه قد أعتق عبده ثم يشتريه بعد ذلك:

وسئل: عن الرجل يخبر عن الرجل أنه قد أعتق عبده ثم يشتريه بعد ذلك.
قال: إن كان خبره على وجه أنه قد علم ذلك منه، يخبر عنه بأنه قد أعتقه عندي ليس يخبره عن أحد أخبره به رأيت أن يعتق عليه.
قال الإمام القاضي: هذا تفسير قوله في المدونة، وأشهب يرى أنه لا يعتق عليه إلا أن يقيم على قوله بعد أن اشتراه، وأما إن كذب نفسه فلا يعتق عليه، وإذا أعتق عليه فولاؤه عند ابن القاسم للذي أخبر عنه أنه أعتقه، وقال أشهب والمخزومي: ولاؤه للذي أعتق عليه، وقد ذكرنا هذا في رسم أوصى وما يلزم من تقويم الشقص على هذا الاختلاف، والله الموفق.

.مسألة مراعاة المال المأمون:

وقال في المدبر والعبد يوصى بعتقه فيعتق أحدهما عبدا قبل أن يقوما بعد موت السيد.
قال: منزلة من أعتقا بمنزلتهما إن كان للسيد أموال مأمونة فماتا أو مات من أعتقا قبل التقويم ورثهم ورثتهم من الأحرار وإن لم تكن له أموال مأمونة فلا عتق لهما ولا لمن أعتقا حتى يقوما في الثلث، فإن خرجا حرين في القيمة عتق من عتقا وكان ولاؤهم لهما.
قال محمد بن رشد: هذا على مذهبه في المدونة في مراعاة المال المأمون، وقد قيل: إنه لا يراعى، وهو قول بعض الرواة في المدونة، فقيل المريض لا ينظر فيه إلا بعد الموت والتقويم كانت له أموال مأمونة أو لم تكن وهو القياس، وبالله التوفيق.

.مسألة ملك من يعتق عليه:

قال في الذي يشتري أباه أو أخاه فلا يدفعه إليه البائع حتى يأتيه بالثمن فيهلك العبد قبل أن يأتيه أو يقتل.
قال: إذا ملكه المشتري فهو حر وإن لم يقبضه، لأن ضمانه منه فهو في جراحه وميراثه وعقله، بمنزلة الحر إذا كان لمشتريه مال.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، لأن من ملك من يعتق عليه بوجه من وجوه الملك فبنفس الملك يكون حرا دون أن يستأنف له العتق أو يحكم له به، وهذا ما لا اختلاف فيه أعلمه، ومعنى ما روي عن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ من قوله: هو «لا ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه» معناه: فبعته بشرائه إياه الذي هو سبب لعتقه، لا أنه يكون له ملكا بعد الشراء حتى يعتقه، وفي القرآن ما ينفي أن يكون ولد الرجل عبدا له، وهو قَوْله تَعَالَى: {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا} [مريم: 92] {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: 93].
وإذا انتفى الملك مع النبوة فأحرى أن ينتفي مع الأبوة، وقد مضى في رسم العتق من سماع أشهب تحصيل القول فيمن يعتق على الرجل بالملك من ذوي محارمه إذا ملكهم، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق.